الأحد، 4 أغسطس 2013

دِراسَة ٌ لِقصَّة " يارا ترسمُ حُلمًا " للشاعر والكاتب الأستاذ سهيل عيساوي - بقلم حاتم جوعية


- دِراسَة ٌ لِقصَّة " يارا ترسمُ حُلمًا " للشاعر والكاتب الأستاذ سهيل عيساوي - ( بقلم : حاتم جوعيه - المغار – مُقدِّمة ٌ : الشَّاعرُ والأديبُ والمؤَرِّخُ الأستاذ " سهيل إبراهيم عيساوي " من سكَّان قريةِ كفر مندا - الجليل ، حاصلٌ على شهادة البكالوريوس b.a) ) في موضوع تاريخ الشرق الأوسط والعلوم السياسيَّة وعلى شهادة الماجستير m.a) ) في موضوع تاريخ الشَّعب اليهودي من جامعة بن غوريون في بئر السبع . يعملُ في سلكِ التعليم منذ أكثر من 18 سنة ، وقبل بضع ِ سنوات عُيِّنَ مديرًا لمدرسةِ ابن سينا الإبتذائيَّة في قريتهِ ( كفر مندا ) . كتبَ في جميع الألوان الكتابيَّةِ وأصدرَ العديدَ من الكتبِ الأدبيَّة والتاريخيَّة والدواوين الشِّعريَّة . نشرَ إنتاجَهُ الإبداعي في معظم الصحفِ والمجلاتِ ووسائل الإعلام المحليَّةِ وخارج البلاد أيضًا . وكتبَ عن إصداراتِهِ كبارُ النقاد - محليًّا وفي العالم العربي ، مثل : الناقد المغربي الكبير " محمد داني " .. وغيره . ولقد فاجَأنا الصَّديقُ الأستاذ سهيل في مؤلَّفِهِ الجديد الذي نحنُ في صددهِ ( يارا ترسمُ حلمًا ) وهو قصَّة للأطفال ... لأنَّهُ لأوَّل ِ مرَّةٍ يُصدِرُ كتابًا يعنى بأدبِ الأطفال . مَدخلٌ : يقعُ هذا الكتاب (القصَّة ) في 35 صفحة من الحجم ِ الكبير، مطبوعٌ طباعة أنيقة وفاخرة .. وتحلِّيهِ رسوماتٌ جميلة ٌ ومُعبِّرة ٌ لمواضيع ومجرَى أحداث القصَّة بريشةِ الفنان التشكيلي " محمود إبراهيم زيدان " من قرية كفر مندا . تدورُ أحداثُ هذه القصَّة بين المعلمة الشَّابَّة والأنيقة ( يارا ) وبين طلابِها المُجتهدِين والمثابرين على دروسِهم وتحصيلِهم العلمي . تبدأ القصَّة ُ بدخول ِ المُعلِّمةِ " يارا " إلى غرفةِ المُعلِّمين في مدرسة " الأحلام " ... ( إختارَ المؤَلِّفُ هذا الأسم للمدرسةِ " الأحلام " كتوظيفٍ دلالي لفحوى القصَّة وهو الهدفُ والموضوع الرَّئيسي والدَّعائم التي عليها يرتكز هذا العمل الأدبي )... تدخلُ المُعلِّمة ُ مُنتصبة َ القامة تمشي بخطواتٍ واثقةٍ ( وهذا توظيف آخر أيضًا للمعلِّم ِ الكُفىء والأهل الذي عندهُ الثقة بالنفس ويُدخلُ هذه الثقة َإلى نفوس ِ طلابهِ وليسَ الإحباط والرَّواسب والعقد مثل الكثيرين من معلِّمي المدارس اليوم) ثمَّ تطرحُ المُعلِّمة ُ يارا السَّلامَ بابتسامةٍ بريئةٍ وتتناولُ كأسًا من الماءِ فيقرعُ جرسُ المدرسةِ على شكل ِ أنغام ٍ موسيقيَّةٍ جميلةٍ فتتوجَّهُ يارا إلى الصَّف الثالث " أ " وهي في سرور ... ( ويُحَدِّدُ الكاتبُ هنا اسمَ الصَّف الذي تُدَرِّسُ فيهِ المُعلِّمَة ُحيث الطفلُ الذي يقرأ القصَّة َيتخيَّلُ الغرفة َ والصَّف الذي يتعلَّمُ فيه ويعيشُ أجواءَ المدرسة ) وتضعُ حقيبتها على الطاولةِ وبصوتٍ مسموع ٍ تقولُ : صباح الخير لطلاَّبِها والجميعُ يُحيُّونهَا باحترام ٍ: صباح الخير يا مُعلِّمتي ، وبشكل ٍ تلقائيٍّ يشردُ بها الذهنُ ( بالمعلِّمة يارا ) ويذهبُ بها الخيالُ بعيدًا وتتذكَّرُ نفسَها عندما كانت طالبة ًً في المدرسةِ في الصَّف الثالث وآنذاك طلبت معلِّمتُها " ساره " من جميع طلاب الصَّفِّ أن يغمضُوا أعينهم وليتخيَّلَ كلُّ طالبٍ نفسَهُ مع مهنةٍ يُحبُّهَا ويتمنَّاها ليعملَ به في المستقبل، فيَسُودُ الصَّمتُ لفترةٍ قصيرةٍ أجواءَ الغرفةِ ويقطعُهُ صوتُ المُعلِّمة " ساره " وتسألُ بدورها : هل تخيَّلَ كلُّ طالبٍ من طلابِها حُلمَهُ الجميل .. فيُجيبُها الطلابُ : نعم يا مُعلِّمتي.. وبالتناوبِ يبدأ كلُّ طالبٍ يحكي ويُصَرِّحُ للمعلِّمةِ عن حُلمِهِ الجميل وماذا يُريدُ أن يكونَ في المستقبل . وأحلامُ وطموحاتُ طلابِها كانت تشملُ جميعَ المواضيع والأمور الحياتيَّة في كلِّ المجالاتِ التي بحاجةٍ إليها المجتمع ولا يستغني عنها . فمثلا ً : الطالب " أحمد " حَلُمَ أن يكونَ مُهندسًا معمارًّا ... وأمَّا الطالبُ " سامي " فحلمُهُ أن يكونَ صحفيًّا مُمَيَّزًا، والطالبة ُ" فرح " حلمت أن تصبحَ طبيبة َ أطفال ٍ لتبعِدَ الآلامَ عن الأطفال وتمنحُهم الحلوى ... و " سُجود " تريدُ أن تكونَ طبيبة َ أسنان . وإبراهيم حُلمُهُ أن يُصبحَ طيَّارًا مدنيًّا . ومعتز حَلُمَ أن يكونَ تاجرًا كبيرًا ليسافرَ إلى الصين ، وخالدُ حَلُمَ أن يكونَ نجَّارًا ، وديمة ُ حُلمُهَا أن تكونَ مُمَرِّضة ً مثلَ أمِّها لتسَاعِدَ الطبيبَ في غرفةِ العمليَّات ، وأسعد حُلمُهُ أن يكونَ تاجرَ سيَّارات ... وأمَّا " راما " فحُلمُها أن تكونَ رسَّامة ً مشهررة ً وليقتني الناسُ لوحاتهَا مثل لوحة الموناليزَا . ومحمد حَلُمَ أن يمتلكَ حضيرة َ أبقار ، وفاضل حُلمُهُ أن يُصبحَ عالمَ فضاء . ومها حُلمُها أن تُصبحَ مُذيعة ً في التلفاز ، ولؤي حُلمُهُ أن يُصبحَ مُحاميًا ليُدافعَ عن الفقراء والمظلومين . وأمَّا رنيمُ فحُلمُها أن تُصبحَ ممثلة ً لتُضحِكَ الناسَ وتطرُدَ هُمومَهم وأحزانهم . ومهدي حُلمُهُ أن يُصبحَ إمامَ مسجدٍ ليخطبَ بالناس يومَ الجمعةِ وليسمعَهم المواعظ َ والحِكمَ . وحافظ حُلمُهُ أن يُصبحَ شُرطِيًّا ليُخففَ حوادثَ الطرق القاتلة . وريما حُلمُها أن تُصبحَ مُستشارة ً تربويَّة ً لتقدِّمَ النصائحَ السِّحريَّة َ للطلاب . ولبنى تحلمُ أن تصبحَ شاعرة ً تنظمُ القصائدَ في المديح والهجاءِ لتُعبِّرَ عن مشاعرها بارتياح ٍ . ورامي حُلمُهُ أن يُصبحَ مُنقذا على شواطىءِ البحار ليُنقذ َ الناسَ منَ الغرق والموت . وياسمين حُلمُها أن تصبحَ مُصوِّرة ً ، وثائر حُلمُهُ أن يُصبحَ فلاحًا مثلَ جدِّهِ يزرعُ أشهى الخضروات . وأمجدُ حُلمُهُ أن يُصبحَ بنَّاءً ليبني البيوت الشَّاهقة . وفي النهايةِ تقولُ يارا ( بطلة القصَّة) لمعلِّمتِها : أحلُمُ أن أصبحَ مُعلِّمة ً مثلكِ يا مُعلِّمتي لأرسُمَ الإبتسامة َعلى وجوهِ الأطفال ، ولأعلِّمَهُم الحبَّ والحنان ... ( وضعَ الكاتبَ حُلمَ يارا في النهايةِ لأنَّ مهنة َالتعليم هي أجلُّ وأقدسُ مُهنةٍ منذ الوجود ) ... ولقد قال أميرُ الشُعراء أحمد شوقي في المعلم : ( " أعَلِمْتَ أشرفَ أو أجلَّ مِنَ الذي يبني ويُنشِىءُ أنفسًا وعُقولا ") . وبعدَ أن ينتهي الطلابُ من سَردِ أحلامِهم تقولُ المُعلِّمة ُ سارة لطلابها : (" تمسَّكوا بأحلامِكم فهي جسرٌ متينٌ يَعبُرُ بكم لمستقبل ٍ مُزهر ٍ، إنها كبذرةٍ علينا الإعتناء بها جيِّدًا حتى تكبرُ وتكبرُ ... صُونوا أحلامَكم راسخة ً حَيَّة ً في صُدوركم وعقولكم "... فيُجيبُها أحدُ الطلابُ : وهل تموتُ الأحلامُ !! ؟؟ ... فتُجيبُهُ المُعلِّمة ُ ساره : أجل .. ثمَّ تسألُها الطالبة ُ يارا ( بطلة القصَّة ) : كيفَ تموتُ أحلامُنا يا مُعلِّمتي ؟؟ ... فتُجيبُها المعلِّمة ُ : إنَّنا نحنُ نغتالُ أحلامَنا بأيدينا دونَ أن تُراقَ قطرة ُ دم ٍ، عندما نتجاهلُها ونُعرضُ عنها ونضعَ العثرات في طريقِها ، ندفنها في مهدِهَا ، وهي لا تزالُ تحبُو . فتقولُ يارا : الحُلمُ إذا كالنهر، يُمكنُ أن يجفَّ إذا لم نُغذ ِّهِ بالمياهِ العذبةِ . وَأحدُ الطلاب واسمُهُ " أمجد " فيُعقِّبُ على كلام يارا ويقولُ : " الحُلمُ كالصَّديق كرفيق درب " . وتقولُ المُعلِّمة ُ ساره أخيرًا : إيَّاكم أن يتسرَّبَ الحُلمُ من بين أصابعِكم . ثمَّ وبشكل ٍ مُفاجىءٍ يعلو صوتُ بعضُ الطلاب مُردِّدين : مُعلِّمتي .. مُعلِّمتي ... صوتُ يقطعُ شرودَ المُعلِّمةِ يارا ويُرجعُها من ذكرياتِها الجميلة أيَّام الطفولة إلى واقعِها الحالي وهي مُعلِّمة بين طلابها ... فتقولُ بشكل ٍ تلقائيٍّ وببراءَةٍ وبوجهٍ طافح ٍ بالحَنان ِ والمَحبَّةِ لِطُلابها : ( " أتعلمونَ كم أنا أحبُّكم يا أبنائي ، لقد حلمتُ طوالَ حياتي بلقائِكم ، حلمٌ رافقني منذ نعومةِ أظفاري عندما كنتُ في جيلِكم ... وها هو حُلمي يتحقَّقُ اليوم ") . فيُصفِّقُ لها طلابُها طويلاً إجلالا ً واحترامًا وتقديرًا ، وأمَّا هي فتتأثَّرُ لهذا الموقفِ الإنساني وتسقط ُ دمعة ٌ من مقلتِها تمتزجُ بالحبر المثبتِ على الأوراق - وتنتهي القصَّة ُ . تحليلُ القصَّة : إنَّ هذهِ القصَّة كُتِبَتْ بلغةٍ فصحَى سهلةٍ وجميلةٍ وسلسةٍ وعذبةٍ وشائِقةٍ ومفهومةٍ .. يفهمُهَا حتى الطفلُ الصَّغير . ويظهرُ في القصَّةِ جَليًّا العلاقةُ الطيِّبَة ُوالودِّيَّة ُ بين المُعَلِّمة وطلابها، ولغة ُ التفاهم والحوارالإنساني الرَّاقي بين الجميع . فيُعطينا الكاتبُ " سهيل عيساوي " صورة ً مثاليَّة ً رائعة ً ونموذجًا مُشرِّفا للمُعلم ِ الناجح ِ وطريقتِهِِ وأسلوبهِ الناجع ِ والمثمر في التربيةِ والتعليم ... المُرَبِّي الذي يُكرِّسُ حياتهُ لخدمةِ وتثقيفِ الأجيال ِ ولبناءِ وإعدادِ جيل ِ الغد رُوَّاد المستقبل على أحسن ما يكون : ( إجتماعيًّا علميًّا وأخلاقيًّا وتثقيفيًّا ) فمهنة ُ التعليم هي رسالة ٌ سامية ٌ وَمُقدَّسة ٌوليست مُجَرَّدَ مهنةٍ ووسيلةِ عملٍ للدَّخل الشَّهري (المعاش ) فقط كما هو الحال اليوم عند الكثيرين من المعلِّمين الذين يحترفون هذه المهنة ( التعليم) وهدفهُم الجانب المادِّي - البيزنس - وليس الجانب المعنوي والجوهري ...أي الهدف هوالمعاش الشهري وليسَ مستقبل الطلاب ومصيرهم . هذهِ القصَّة ُ تعليميَّة ٌ وتثقيفيَّة ٌ من الطراز ِ الأوَّل ِ فتعلِّمُ الأطفالَ منذ الصِّغر وتثقِّفهُم وتهَذبهُم وتزرعُ فيهم المبادىءَ والقيمَ وروحَ المحبَّةِ لمساعدةِ الغير وخدمة المجتمع ... وأنَّهُ يجبُ على كلِّ إنسان ٍ أن يكونَ عُنصرًا إيجابيًّا بنَّاءً وفعَّالا ً في مُجتمعهِ يخدمهُ ويفيدُهُ بغض ِّ النظر ما هو نوع المهنة والمجال الذي يعملُ فيهِ . توجدُ في هذهِ القصَّةِ ( يارا ترسمُ حلمًا )عدّة ُ أهدافٍ وأبعادٍ هامَّة، وهي : 1 ) البعد الإنساني . 2 ) البعد الفكري والتَّأمُّلي . 3 ) البعد الإجتماعي . 4 ) البعد الوطني . 5) البُعد الأخلاقي . 6) البُعد الفلسفي . 7) البعد التثقيفي والإرشاد . 8) البعد الفنِّي . 9) البُعد الفانتازي والخيال . ويستعملُ ويدخلُ الكاتبُ في هذه القصَّة تقنيات جميلة وفنيَّة مميَّزة ، فمثلا يدحلُ قصَّة ً داخلَ قصَّةٍ أخرى ... وهذا اللونُ والنمط القصصي قلَّما نجدُهُ ويكادُ يكونُ نادرًا ومعدومًا في الرِّواياِت والقصص العربيَّةِ قبلَ عشرات السنين ، وخاصَّة ً في مجال ِ قصص الأطفال ، وربَّما يكونُ الأستاذ سهيل عيساوي هو أوَّلُ من استعملَ هذا النمط واللون - القصص المتداخلة مع بعضِها في أدبِ الأطفال بين جميع كتابِ وأدباء اللغة العربيَّةِ ( عند العرب ) . وهذا اللون الأدبي القصصي موجودٌ في بعض ِ القصص في كتاب ألف ليلة وليلة ، مثل قصة " الملك عمر النعمان " ... وغيرها . لقد أدخلَ سهيل بشكل ٍ غير مباشر ومفاجىءٍ قصَّة ً داخلَ القصَّةِ الرَّئيسيَّة ( يارا ترسمُ حُلمًا ) وهي تابعة ً لها ومرتبطة بها ، وذلك عندما تتخيَّلُ المُعلِّمة نفسَها (بعدَ دخولِها للصف ) وهي طفلة وطالبة في المدرسة ، فتتذكَّرُ ما جرى لها مع مُعَلِّمَتِهَا " ساره " وطلاب الصَّف حيثُ طلبت منهم المعلِّمة ( كما ذكرَ أعلاهُ ) أن يغمضوا أعينهُم ويتخيَّلَ كلُّ طالبٍ نفسَهُ مع مهنتةٍ يُحِبُّهَا ليعملَ بها في المستقبلِ . وبعد أنتِهاء الطلاب من سَرْدِ وعرضِ أحلامِهم وأمنياتِهم تصحو المعلِّمة ُ من خيالِها وشرودِها على أصواتِ طلابها الذين يُنادونَ باسمِها فتعود للواقع . إنَّ هذه القصَّة مُتمَيِّزة ٌ ومتطوِّرة ٌ جدًّا وفيها كلُّ المُقوِّمَاتِ والأسس والتقنياتِ والتفنُّن والتلوين ، وهي تصلحُ أيضًا للكبار في السنِّ وليسَ لجيل ِ الطفولةِ فقط ... ولأنَّ سهيل عملَ مُدرِّسًا فترة ً طويلة ً نسبيًّا فهو يَعِي ويُدركُ ما هي حاجات الطفل ومُتطلِّباتهُ ويعرفُ كيفَ يُقدِّمُ لهُ عملا ً أدبيًّا ناجعًا ومفيدًا ومُثمِرًا ، وليسَ كالكثيرين مِمَّن كتبوا أدبًا وقِصَصًا للأطفال ِ وكانت كتاباتُهُم تفتقرُ للكثير من الأسس ِ والعناصر الهامَّة التي يتوقَّفُ عليهَا نجاحُ العمل الأدبي الذي يعنى بجيل ِ الطفولة ، ولكونِهم أيضًا لم يُمارسوا مهنة َ التعليم ... وعدا هذا فهم بعيدونَ كليًّا عن عالم الطفل وأجوائهِ ولا يعرفونَ بماذا يفكِّرُ الطفل وما هي حاجاتُهُ ومتطلباتهُ وما هي أحلامُهُ وطموحاتُهُ وماذا ينقصُهُ وكيف سيسدُّونَ الثغرات والفجوات في عالمهِ الملائكيِّ الجميل والبريىء . وفي هذهِ القصَّةِ يظهرُ جليًّا عُنصرُ الحوار( ديالوج ) مِمَّا يُضيفُ وَيُدخلُ حيويَّة ً وحياة ً وديناميكيَّة ً وحركة ً للقصَّةِ ولا تبقى مُجَرَّدَ قصَّةٍ جافَّةٍ صامتة وَمُحنَّطة ، ولهذا ستُقرأ بتمعُّن ٍ وشغفٍ وبتلهُفٍ وشوق شديد حيثُ يُترعُها ويملؤُها عُنصرُالتشويق والجاذبيَّة فتشدُّ الطالبَ أو بالأحرى الطفل لِقراءَتِها ومتابعةِ أحداثِها . وفيها أيضًا عُنصرُ الخيال والفانتازيا ، وهي مُترعة ٌ بالمعاني والأبعادِ الفلسفيَّةِ والحكميَّةِ ، مثل: المُحافظة على الأحلام والتمسُّك بها . وهنالك أحلامٌ قد نغتالُها بأيدينا .. أي أنَّ في مُجتمعنا الكثيرين مِمَّن لديهم قدراتٌ وطاقات ومواهبُ عظيمة وخارقة وفذ َّة ، ولكنهم لا يُنمُّونها ويصقلونها ويُطوِّرونها ليستفيدُوا ويفيدوا مجتمعَهم ومحيطهم وعالمهم من خلالِها ، بل يَوئدُونها في المهد وهي برعم قبل أن تتفتح ، فهُم بهذا العمل مُجرمون بحقِّ أنفسِهم ومجتمعِهِم وبالإنسانيَّة جمعاء ... وقد طرحَ الكاتب سهيل عيساوي هذه الفكرةَ الفلسفيَّة بشكل ٍ مُبَسَّطٍ ليفهمَها حتى الطفل الصَّغير . وفي مُجتمعِنا العربي الكثيرُ من الأحلام والطموحات تموتُ وتقتلُ منذ المَهد ... وأحيانا يكونُ قاتل الأمل والطموح والحلم ليسَ المجتمعُ أو السُّلطة ُ والحُكَّام بل صاحبُ الحُلم نفسه الذي ينسَى ويُهمِلُ نفسَهُ وأحلامَهُ ومواهِبَهُ ويدفنها وهي حيَّة ً . وهذه القصَّة ُ أيضًا تُعَلِّمُ الأخلاقَ والمبادىءَ والمُثُلَ والإنضباط والمَحبَّة َ غير المشروطة والثقة َ بالنفس وبقيمةِ الإنسان ِ ودورهِ في الحياةِ ، وأنَّ المجتمعَ كلّهُ وحدة كاملة وكلُّ شخص ٍ وعُنصر فيهِ لهُ علاقة ٌ وارتباط ٌ مع الإخرين . والمجتمعُ والنسيجُ الإجتماعي يكونُ مُعافى وصحيحًا وسليمًا عندما يأخُذ ُ كلُّ فردٍ دورَهُ فيهِ ويعملُ بشكل ٍ سليم ٍ وصحيح ٍ حسب إمكانيَّاتهِ ومواهبهِ وقدراتِهِ وطاقاتهِ التي وهَبَها إيًّاها الخالق - جلَّ جلالُهُ - لأجل ِ نفسهِ وللجميع ... فيخدمُ ويفيدُ مجتمعَهُ وهو أيضًأ سيستفيدُ وسيسمُو بلا شكٍّ مع سُموِّ مُجتمعِهِ وَرُقيِّهِ وَتقدُّمِهِ . وفيها أيضًا الجانبُ الوطني والقومي وتعلُّقُ الإنسان وتشبُّثهُ بالأرض . وهذهِ القصَّة ُ مُستواها عال ٍ وراق ٍ جدًّا وَتُضاهي قصصَ كبار الكتاب العرب والأجانب في مجال أدب الأطفال، بل وتتفوَّقُ على الكثير الكثير من القصص العالميَّة للأطفال وتستحقُّ أن ُتترجمَ إلى اللغاتِ الأجنبيَّةِ ليطَّلعَ الأجانبُ والمُختصُّونَ في الأدبِ والإبداع ( وخاصَّة ً لجيل الطفولةِ ) على نتاجِنا الأدبي العربي والفلسطيني للأطفال في اللغةِ العربيَّةِ ، وليعرفوا أنَّ لدَى العربِ كتابًا عالميِّين من ناحيةِ المُستوى والإبداع . وهذهِ القصَّة ُ تصلحُ للتمثيل ِ كمسرحيَّةٍ أو لمسلسل ٍ تلفزيوني - في حلقةٍ أو لعدَّة حلقات حسب ذوق ِ ورغبةِ المخرج وكاتب السيناريو الذي قد يُدخلُ ويُضيفُ من عنده بعضَ التعديلاتِ والإضافاتِ الطفيفة . وَمِمَّا يُثيرُ الإستغرابَ والدَّهشة َ هنا أنَّ الأستاذ سهيل عيساوي رغمَ مكانتِهِ ومستواه الراقي في عالمِ الكتابةِ والادبِ والإبداع ِ وتألُّقِهِ وتميُّزه فنيًّا لم يحصلْ حتى الإن على جائزةِ التفرُّغ ِ السُّلطويَّة التي تُمنحُ كلَّ سنةٍ لمجموعةٍ من الأدباءِ والكتابِ العرب ، ولهُ عدَّة سنوات يقدِّمُ لهذهِ الجائزة وقد أعطوها لأشخاص ٍ لا توجدُ لهم أيَّة ُ علاقةٍ مع الأدب والكتابةِ والإبداع وبعيدين كليًّا عن الثقافةِ ( والأسباب معروفة للجميع - شخصيَّة وسياسيَّة ) .. وأنا شخصيًّا لا أقدِّمُ لهذه الجائزة ولا يُشرِّفني أن أقدِّمَ وأحصلَ عليها ، وأخيرًا: سأكتفي بهذا القدر من التحليل والأستعراض... وسأهَنِّىءُ الصَّديقَ والأخَ والإنسانَ ومربِّي الأجيال - الكاتب والشاعر المبدع الأستاذ سهيل إبراهيم عيساوي على هذا المؤلَّف النفيس والهام ( يارا ترسمُ حلمًا ) وأتمنَّى لهُ المزيدَ من الإصداراتِ الشعريَّةِ والأدبيَّةِ ، وخاصَّة ً في مجال ِ أدبِ الأطفال لأنَّ مجتمعنا العربي بشكل ٍ عام ما زالَ يُعاني من نقص ٍ كبير في هذا المضمار وبحاجةٍ شديدة وماسَّة لهذا النوع الأدب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق